الترعة القديمة

                                                                      (ترجمها المؤلّف من الفرنسيّة لتلاميذه في الصفّين السادس والسابع)

 توغّل المركب في قناةٍ قديمةٍ مكسوَّة بالأعشاب، وأخذت آلته البخاريّة تخرّ خريرًا وئيدًا، وخشباتُ الدواليب تلطم المياه الهادئة؛ وتركت السفينة وراءَها أثرًا فضّي اللون، وولّدت أمواجًا اتّسعت شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى ضفّتي الماء.

   أمّا أوراق النيلوفر- أزهار معروفة باسم عرائس النيل - فكانت تنثني الواحدة تلو الأخرى، والأزهار الكبيرة البيضاء تتوارى كأنّها بناتٌ وجِلات. فأحدث المركب القريب المفاجىء، اضطرابًا وقلقًا في حياة النبات المطمئنة الوادعة؛ إذ إنّ الأعشاب العالية التي كانت تنمو طليقة على الضفّتين المرتفعتين، ظهرت بمظهر الهاربة الوجلة عند رؤيتها المدخنة السوداء المنبعث من فوهتها الدخان.

   وكان يبرز من الأعشاب الخضراء عناقيد الأزهار الورديّة المنتشرة هنا وهناك. أمّا المركب فكان يسير متهاديًا لا تنقطع عنه الخرخرة والنفيح من دون مبالاة بأيّ شيء وكان يُمّزق الجذوع المتشابكة ويرضرضُ وجوه الأزهار اللّدْنة.

   وفي المروج هبَّ البقر المجترَّ من مستراحه، وأخذ من بعيد، يحدج بنظراته القلقة تلك القناة ثمّ خار خوارًا حزينًا! واللقلق المرعوب طار مصفّقًا  بجناحيه وتوارى مسرعًا عن العيان في السماء المغمّة.